سر قول أمير المؤمنين صلوات الله عليه : أنا وجه الله
والصلاة والسلام على محمدٍ وأهل بيته الطيبين الطاهرين ،
واللعن الدائم على أعداءهم من الآن وحتى قيام يوم الدين
يقول الله سبحانه و تعالى في محكم كتابه العزيز
( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ )
وقال تعالى
( كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) ،
من هاتين الايتين نبدأ بحثنا من حيث المراد من وجه الله سبحانه وتعالى حيث هاتين الايتين وغيرهما من الايات الكريمة قد أشارت "الى وجه الله" ، فما هو المراد من وجه الله سبحانه وتعالى علماً إن هنالك عدة روايات وتفاسير تدل على إن وجه الله هم المعصومين من أهل البيت عليهم السلام وكذلك الأنبياء
أولاً وقبل التطرق للمعاني المُشار إليها في الأيات الكريمة نُورد بعض المعاني :
معنى ( الوجه ) في اللغة :
ان الوجه في اللغة ينقسم الى عدة أقسام :
1. الوجه : وهو المعروف المركب به عينان سواء من حيوان ناطق أو غيره ، ( والمقصود بالحيوان الناطق هو الانسان )
2. الوجه : هو أول الشيء وصدره بدليل قوله تعالى
( وَقَالَت طَّآئِفَةٌ مِّنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمِنُوا بِالَّذِيَ أُنزِلَ عَلَى الَّذِينَ آمَنُواْ وَجْهَ النَّهَارِ وَاكْفُرُواْ آخِرَهُ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ) ( أي أول النهار )
3. الوجه : القصد بالفعل
بدليل قوله تعالى ( وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله )
4. الوجه : القدر والمنزلة ،
يقال فلان أوجه من فلان أي أعظم
5. الوجه : الرئيس المنظور اليه
يقال وجه القوم وهو وجه عشيرته ووجه الشيء نفسه وذاته .وبعد هذه التعاريف للوجه ، نعرف المراد بالوجه كما ورد في بعض الأيات الكريمة إذ اننا لا نستطيع او لا يصح ان نضيف هذه الصفة لله على وجه الحقيقة
المعنى الوصفي، وهو ما يتوجّه إليه.
أي أن كل واسطة تلفت النظر إلى أصل الشيء تسمى وجهاً،
والأمثلة على ذلك تستدعي الوهم والضلال، ولكننا نضطر إلى سوق الأمثلة للوصول إلى الوضوح في هذا الأمر.
فلو رام أحدنا أن ينظر إلى قرص الشمس في يوم تكون فيه السماء صافية لما استطاع ان ينظر إليها مباشرة لأنه لا يتمالك ان يغمض عينيه لشدة توهّجها،ولكن لو نظر على صفحة الماء الساكن لتمكن من مشاهدة صور قرص الشمس دون أن يضطر إلى إغماض عينيه، وهذا ما نسمّيه بالنظر إلى الشيء من خلال الواسطة، فقد أصبحت صفحة الماء وجهاً لقرص الشمس.
وعليه يكون معنى الوجه هو ما يتوجه إلى الشيء من خلاله فيتم التعرّف عليه
وخصوصا بعدما عرفنا ان للوجه عدة معاني ، فليس لله سبحانه وتعالى تجسيم ، ولا تشبيه ، ولا يُدركه وصف واصف ، فما معنى وجه الله إذاً ؟
حقيقة وجه الله سبحانه وتعالى :
يقول الله تعالى : ( وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ) ،
والوجه كما تقدم بمعنى المُشير والمُظهر لنفس الموجود وروحه .
فوجه الإنسان مثلاً هو أفضل وأرقى عضو فيه ، وهو المظهر له ، والمشير إليه ، ونحن عندما رغب بمخاطبة إنسان ما إنما نتوجه إليه من خلال ما يُشير لنفسه ، والوجه هو الجزء الذي يُميز اي شخص منا عن الآخر ، على إختلاف تعدد البشر .
بينما الله سبحانه - منزه عن الجسمانية – ليس له وجه بالمفهوم الظاهر ، إنما يُعبر بالوجه عن ما يُشير ويدلل على نور الله سبحانه ونفسه ومن خلال هذه الإشارات والمدلولات فإننا نتوجه لله سبحانه وتعالى به .
وقد روي عن الإمام الصادق عليه السلام قوله:
(مَن زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ وَجْهاً كَالْوُجُوهِ فَقَدْ أَشْرَكَ ، وَمَنْ زَعَمَ أَنَّ لِلَّهِ جَوَارِحَ كَجَوَارِحِ الْمَخْلُوقِينَ فَهُوَ كَافِرٌ بِاللَهِ، فَلاَ تَقْبَلُوا شَهَادَتَهُ وَلاَ تَأْكُلُوا ذَبِيحَتَهُ، تَعَالَى اللَهُ عَمَّا يَصِفَهُ الْمُشَبِّهُونَ بِصِفَةِ الْمَخْلُوقِينَ، فَوَجْهُ اللَهِ أَنْبِيَاؤُهُ وَأَوْلِيَاؤُهُ ) .
ومن خلال كل ماورد يتوضح لنا إن وجه الله ليس تجسيم خاص به وإنما هي مايُقصد لتوجه إليه سبحانه .
وقد تقدم في تفسير الميزان في قوله :
((وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ))
وجه الشيء ما يستقبل به غيره ويقصده به غيره، وفيه صفاته الكريمة سبحانه التي تتوسط بينه وبين خلقه فتنزل بها عليهم البركات من خلق وتدبير كالعلم والقدرة والسمع والبصر والرحمة والمغفرة والرزق
وعلى التقدير أن يراد بالوجه ما يقصده به غيره ومصداقه كل ما ينتسب إليه تعالى فيكون مقصودا بنحو المتوجه إليه وهو كلمته التامة في خلقه "محمد وآل محمد" ، ثم تتدرج مظاهر هذا الوجه لتشمل أنبياء أولي العزم ثم الأنبياء غير أولي العزم والملائكة وأولياء الله الصاحلين ، التالي فالتالي كلّها من مظاهر لذلك الوجه الأزهري الأتم لمحمد وآل محمد .
وفي تفسير القمي : في قوله تعالى:
«و يبقى وجه ربك» قال: دين ربك،
وقال علي بن الحسين (عليهما السلام) : نحن الوجه الذي يؤتى الله منه.
وفي مناقب ابن شهرآشوب: قوله:
( ويبقى وجه ربك) قال الصادق (عليه السلام): نحن وجه الله.
إذاً من خلال المعنى الأولي لكلمة وجه يكون معنى الآية هو :ـ
وتبقى الكلمة التامة التي هي مقام الوجه لربّك الذي له صفة الجلال والإكرام له حصرية التوجه الى الله .
وأما كل من آياته من الأنبياء والملائكة والآيات الآفاقية والأنفسية لا تعدُ إلا كونها دالة على هذا الوجه الشريف ، كوسيلة للتعرّف على كماله وحسن بهائه وعظمة قدره .
أهل البيت هم وجه الله، عند الإستناد لمعنى الوجه وهو ما يتوجه إليه، فانه مما لا شك فيه أن المقصود بوجه الله هم محمد وآله صلوات الله عليهم أجميعن .
وعلى هذا الأساس يكون معنى الآية الكريمة :
كل ما على الأرض من توجهات لغير وجودهم المقدس ، فانٍ وباطل ، ويبقى محمد وآله هم الحقيقة الأوحدية الحصرية للذات المقدسة ومن ثم الأنبياء والملائكة هم آيات دالة عليهم صلوات الله عليهم أجمعين
وفي حقيقة الأمر إن العقول تبقى عاجزة ودون القدرة والاستطاعة على فهم وادراك حقيقة عظمة الله (تعالى) وأسمائه وصفاته، ولكننا نجد أنفسنا مضطرين لأجل استحصال الإيمان واليقين بالله (جل جلاله) ان نتمسك بالأنوار القدسية للمعصومين الأربعة (ع) كما تشير إلى هذه الحقيقة الناصعة، عبارة وردت في الزيارة الجامعة نقول (من أراد الله بدأ بكم)، وما أكدّوه أهل البيت (ع) في قولهم : بنا عُرف الله، وبنا عُبد الله
وقد ورد عن الإمام علي بن الحسين السجاد (ع) في تفسير قوله تعالى (ويبقى وجه ربّك) ، أنه قال: نحن الوجه الذي يؤتى الله منه .
إذاً مما لا شك فيه أن أهل بيت العصمة والطهارة هم الوجهة الإلهية التي لا يقبل الله وجهة إلا من خلالهم ، لأن من أراد أن يوّحد الله ويؤمن به وجبت عليه معرفتهم، ولأن من أحبهم أحبّه الله، ولأنهم باب الله الذي لا يؤتى إلا منه وعليه أكدّت على حقيقتهم آية (وأتوا البيوت من أبوابها)
ونقرأ في حديث للإمام الباقر (عليه السلام) في تفسير الآية: (تبارك اسم ربّك ذي الجلال والإكرام) أنّه قال: ((نحن جلال الله وكرامته التي أكرم العباد بطاعتنا)) .
ومن الواضح أنّ أهل البيت(عليهم السلام) لا يدعون لغير الله، ولايأمرون بغير طاعته وهم هداة الطريق إليه، وسفن النجاة في بحر الحياة المتلاطم.
وبناءً على هذا، فإنّهم يمثّلون مصاديق جلال الله وإكرامه، لأنّ الله تعالى قد شمل الناس بنعمة الهداية بواسطة أوليائه.
وعليه فهم صلوات الله عليهم أجمعين أرقى مصاديق الوجه المعنوي لله سبحانه وتعالى.
فمن توجه إليهم فقد توجه إلى الله ومن أعرض عنهم فقد أعرض عن الله العلي العظيم.
في كل زمان يوجد حجّة في الأرض تمثّل وجه الله
من زمن رسول الله صلى الله عليه وآله الى زمن الإمام الحسن العسكري ، كان المعصوم الموجود في زمانه يمثل وجه الله
أما في زمننا الحاضر ، إن دعاء الندبة يدلّنا دلالة واضحة على وجه الله :
فنقرأ في دعاء الندبة: أَيْنَ وَجْهُ اللَهِ الَّذِي يَتَوَجَّهُ إِلَيْهِ الاْوْلِيَاءُ؟
وتجدر الإشارة الا إنّ أحد الالقاب المباركة لبقيّة الله تعالى الإمام المهدي عجّل الله تعالي فرجه هو وجه الله ، حيث نقرأ في زيارته عليه السلام:
السَّلاَمُ علی وَجْهِ اللَهِ الْمُتَلَقِّبِ بَيْنَ أَظْهُرِ عِبَادِهِ ،
وحصرية التوجّه الى الله تتمّ من خلاله ، فهو باب الله :
وأشارت إلى ذلك العبارة الواردة في دعاء ندبة والتي تقول :
(أين باب الله الذي منه يؤتى)،
ملاحظة مهمة :
حصرية التوجّه الى الإمام الحجّة ، لا يعني عدم جواز التوجّه الى غيره من الرسول والأئمة في التوسّل وطلب الحوائج ، إنما يعني إنه إمام زماننا الحيّ ، الذي يستلم أعمالنا وعباداتنا ، وتعرض أعمالنا عليه ، وتنزل صحيفتنا في ليلة القدر عليه ، ويوم القيامة هو الذي يوقع صحيفة الأعمال ويسلّمها لرسول الله صلى الله عليه وآله ، حيث أن يوم القيامة كل أمة تحشر تحت راية إمام زمانها ومن ثم كل الأمم تنضوي تحت راية موحدّة وهي راية الحمد لسيد الخلق من الأولين والآخرين محمد صلوات الله عليه وآله .
ولمن يريد قراءة الروايات التي تخص هذا البحث العقائد ، فقد أفرد صاحب كتاب بحار الأنوار باباً لموضوع وجه الله اشتمل على روايات عديدة بهذا الصدد ، أهل البيت هم وجه الله .
نسأل الله أن يُثبتنا وإياكم على ولاية آل بيت محمدٍ عليهم السلام ، ويرزقنا شفاعتهم في الدنيا والأخرة إنه على كل شئ قدير وبالإجابة جدير وصلىّ الله على محمدٍ وآل محمد الطيبين الطاهرين