1- الآثار الآفاقية
يروى أن إمرأة من أهل البادية كانت تغزل بمغزلها ولسانها يلهج بذكر الله بصورة مستمرة دون توقف، فسألها إعرابي من أين حققت هذا التعلق والإيمان بوجود الله سبحانه وتعالى ؟ فكان جوابها بأن يقيني بالله يعيش بداخلي لا يحتاج الى دليل، فردّ الإعرابي إن لم تكوني بحاجة الى دليل فأنا بحاجة اليه ! فقالت له أنظر الى هذا المغزل لا يعمل إن لم أحرّكه فهذا المغزل الصغير يحتاج لمن يحرّكه فهل يعقل ان يكون هذا الكون بوسعه وكل ما فيه يعمل بدون محرك؟ فهل هذا يحتاج الى دليل ؟.
وهذا ما قاله إعرابي متفكّر "البعرة تدل على البعير وأثار الأقدام تدل على المسير، أرض ذات فجاج وسماء ذات أبراج أفلا تدل على العلي الخبير"
2- الآثار الأنفسية
هذا النوع من الآثار الله يمكن تتبعها من خلال تتبع الانسان لنفسه حيث قال امير المؤمنين " من عرف نفسه فقد عرف ربه " فالعبد بمقدار معرفته بنفسه وإحساسه بفقره ومسكنته وأنه لا يملك لنفسه نفعاً ولا ضرّاً ولا موتاً ولا حياة ولا نشوراً، بنفس المستوى سوف يعرف ربّه ويصل إليه، حيث يغفل حينئذ عن مشخّصاته الفردية وماهيته المحدودة ويعرف أن تلك المشخّصات لم تكن إلا أوهام فليس وراء الوجود شيء آخر، إلا حقيقة المعصومين سلام الله عليهم، فلا يعشق إلا هم ولا يريد إلا هم. أما بجهل الإنسان لنفسه تصبح طاقات النفس الهائلة غير مستثمرة كذلك الحال بالنسبة لطاقات العقل فقد دلّ العلم أن الإنسان لم يستعمل من طاقات عقله أكثر من 1% إلا بعض المخترعين الذين تعدوا هذه النسبة بقليل.فلا تغرنّك عبادتك وإن كثرت ، فكل هذه العبادات تعجز أن تكافئ نعمة واحدة من نعم الله تعالى بل الإنسان يدخل الجنة برحمة الله وليس بإستحقاقه لها يقول الحبيب المصطفى رسول الله صلى الله عليه وآله " حرّمت الجنة على الأنبياء إلا أن أدخلها أنا وحرمت الجنة على الأمم إلا أن تدخلها أمتي " فقالوا يا رسول الله وكيف ندخل الجنة فقال " تدخل أمتي بشفاعتي " يعني لا قيمة لعمل الإنسان عندما يقارن بنعمة من نعم الله سبحانه وتعالى التي لا تعدّ ولا تحصى فكيف نحصي خالق النعم؟ ، قال الله سبحانه في كتابه وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ قُلْ لَوْ كَانَ الْبَحْرُ مِدَادًا لِكَلِمَاتِ رَبِّي لَنَفِدَ الْبَحْرُ قَبْلَ أَنْ تَنْفَدَ كَلِمَاتُ رَبِّي وَلَوْ جِئْنَا بِمِثْلِهِ مَدَدًا طبعاً هذا لا يفهم كتبرير لعدم العمل بل هو مجرّد إظهار لعظمة الله وأفعاله ونعمه.
يروى عن عابد ناسك من بني إسرائيل قضى عمره في عبادة الله والزهد بالدنيا ومساعدة المحتاجين رأى في منامه أنه بعالم المحشر وأتاه الملك يقول يا فلان أدخل الجنة برحمة الله تعالى فقال لا يا رب أدخل بعملي فأوقفه الملك وقال للملك الموجود على الميزان ، زينوا له عمله وضعوا بالكفة الثانية نعمة البصر... فغلبت نعمة البصر فقال لا يا رب برحمتك !... فلا تفرح بأعمالك ولا تمنن الله بما تعمل فكل ما تقوم به بحول الله وقوته .
1- المرتبة الأولى : الذات الإلهية المقدسية
أول تصحيح تعبّدي نتعلّمه في العقيدة أن إسم " الله" ليس أول مرتبة من مراتب العبادة من حيث أصل الوجود بل أن أول مرتبة من مراتب العبادة هي " الذات الإلهية المقدسة" .
الذات هي أول مرتبة من مراتب العبودية نبدأ بعبادة الله على مستوى ذاته المقدسة وآخر مرتبة من مراتب العبودية هي أن نعبد الله على مستوى أسمائه (وأين لغير متعلم العقيدة أن ينال مراتب العبودية بكافة مستوياتها)
( الله ) هو "إسم" للإشارة والتوجه الى المعبود في اللغة العربية بينما نجد أنه في اللغة الإنجليزية يسمونه God وفي اللغة الفرنسية يسمونه Dieu, حتى العلمانيين يطلقون عليه الطاقة الكونية فنحن ندل عليه بهذه الأحرف (ا ل ل ه) إنما المقصود الطاقة التي تكمن في باطن هذه الأحرف ( ا ل ل ه ) وليست الأحرف بذاتها هي التي ترزق وتشفي وتلك الطاقة الباطنية للإسم الذي بهذه الطاقة هو يرزق ويشفي فكل إسم من اسماء الله الحسنى يحمل طاقة نورانية ويعمل على باطن الانسان فيسري في باطن الانسان في سبع مسارات بحركة لولبية تبدأ من الدماغ الى أن تصل إلى القدمين وتلك الطاقة تسمّى "المسمّى" ، ومثالاً على هذا إذا قلت "يا فلان" فالمقصود هو ذات فلان وليس الإسم بما هو إسم لأن الإسم وسيلة إتصال ليس إلا ولكن بما أن المسمّى غير قابل للظهور للسبب الذي ذكرناه سابقاً لكونه غيب ومجرّد احتجنا الى الإسم لكي نستطيع التوجه إليه، وسيتم لاحقاً شرح مقام الأسماء تفصيلاً فيما بعد.
إذن "الله" هو إسم للتوجه به وليس لعبادة الإسم ، قال الصادق عليه السلام " من عبد الإسم دون المسمى فقد كفر ومن عبد الاسم والمسمى فقد أشرك ومن عبد المسمى بإيقاع الأسماء عليه فقد وحّد "
الذات الإلهية المقدسة هي مرتبة واجب الوجود
واجب الوجود : بتجربة بسيطة وكلام بعيد عن الفلسفة : زار أحد الملحدين أحد العلماء وقال له أعطيني دليل أن الله موجود فقال السيد انا عندي مليون دليل على وجود الله ولكن هل يمكنك أن تعطيني دليل واحد على أن الله غير موجود ، فكل ما هو كائن يدل على ان الله موجود لذلك قال أمير المؤمنين بجواب لمن سأله : هل رأيت ربك ؟ فقال ويحك أأعبد ربا لم أره ، فقال : هل رأيته في رؤية الابصار ، فقال بل بحقائق القلوب ، فالله سبحانه وتعالى لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار .
خصائص الذات الإلهية
هي حقيقة مجرّدة بسيطة غير مركّبة وهي غيب مطلق وكل خصائصها وصفاتها صفات غير مخلوقة لذلك حتى كلمة "ذات " هي كلمة اعتبارية غير حقيقية وضعناها للدلالة على وجود هذا المقام الذي هو مقام واجب الوجود وهذا المقام ليس له إسم ولا رسم . فالذات هي مصدر كل شئ ومصدر كل خير ومصدر كل عظمة ومصدر كل رحمة ، المفيضة على الوجود.
بما أن خصائص الذات الإلهية المقدسة هي خصائص غير مخلوقة لا يقع عليها أي مخلوق. لذلك وصفها بالأسماء والصفات يشترط عدم المخلوقية فإيقاع الألفاظ عليها أمر يوجب عدم التنزيه والعياذ بالله لأسباب ثلاثة :
1.أولاً لأن الصفة هي عارضة على الموصوف
2.وثانياً لأن الصفة تفيد الإحاطة بالموصوف
3.وثالثاً أن الصفة لا تكون إلا بالأحرف والكلمات ومحكومة بفقر المخلوقية مردودة إلينا.
فبمقتضى التنزيه التام لمقام الذات الإلهية المقدسة أن تكون منزهة عن كل شئ ولا يكون إيقاع الأسماء والصفات من حيث هي كلمات وأحرف إلا لتصف تجليه الغيبي ولا تصف ذاته المقدسة فاستحالة الوصف والا بالأبصار ولا بالقلوب ولا بالخيال ولا بالإشارة.
فالذات الإلهية لا نعت لها ، لا صفة لها ، لا إسم لها، لا رسم لها ، يقول أمير المؤمنين" إذا أنتهى الكلام الى ذات الله فأمسكوا"
.
كيف نتعبد على مستوى الذات المقدسة؟
أحسن تقديس على مستوى الذات أن نقر بأننا نعجز عن تقديسها وأن الكلمات لا توفي حقها في التقديس وهذا الإعتراف بالعجز عن المعرفة والعجز عن التقديس يسمى "تنزيه" بل تنزيه التنزيه أي تنزيهها حتى من الأحرف والكلمات لإنها كلها مخلوقة .
فالتنزيه يقع على مستوى الأسماء فحين نقول "سبحان الله" أي أننا نقرّ بعظمة أسماء الله وصفاته وتنزيهها من كل فقر أو جهل أو نقص. أما مستوى الذات لا يفيه التنزيه بل تنزيه التنزيه أي تنزيهها حتى عن الأحرف.
المقام الأول: مقام الذات المقدّسة: -
• لا نعت لها، لا صفة لها، لا اسم لها، لا رسم لها
• لماذا لا صفة لها؟ لان وصفها تحديد لها.
• غنيّة عن أي شيء حتى عن الاسم
• إطلاق كلمة "ذات" هو إطلاق اعتباري غير حقيقي حتى نقدر أن نتكلم عنها أنها
موجودة وواجبة الوجود أي نسميها من باب المجاراة لتسهيل المطلب إلى الأذهان.
• لا يليق الظهور بها لأن الظهور معلول وأين العلة من المعلول
• ففي خطبة أمير المؤمنين صلوات الله عليه: "من وصفها فقد قرنها ومن قرنها فقد
ثنّاها ومن ثناها فقد جزّءها"
•ما هو الدليل أن الذات لا توصف؟ لهذا المطلب 3 أدلة:
الدليل الأول لنفي الوصف: -•
ولما كانت الذات المقدسة غنية ذاتا غير محتاجة إلى الغير استغنت عن كل شيء حتى عن الإسم فينتفي كل وصف وتعلق
مثال: كشخص في الصحراء ليس معه أحد هل يحتاج الى اسم؟ لماذا يضعون لنا أسماء لنستطيع أن نتعاطى ونتبادل مع الناس لحاجتنا لهم وحاجتهم لنا.
•أما الذات الإلهية المقدّسة لا نظير لها ولا عديل ولا وليّ من الذلّ فيكون إذن مستغنيا لذاته بذاته.
•"إلهي هذه صلاتي صلَّيتها لا لحاجة منك إليها ولا رغبة لك فيها" إذن نفينا الحاجة والرغبة